إعلان الرئيسية

رائج

 منذ سنوات، ظلّ تطبيق "تيك توك" في قلب عاصفة سياسية وقانونية داخل الولايات المتحدة، حيث تزايدت المخاوف بشأن ملكيته الصينية وإمكانية استغلال بيانات المستخدمين لأغراض تتجاوز الترفيه. هذه المخاوف تحوّلت إلى جدل واسع بين البيت الأبيض والكونغرس، وصولًا إلى إصدار تشريعات تهدد بحظر التطبيق إذا لم ينفصل عن شركته الأم "بايت دانس" قبل يناير 2025. وفي خضم هذا المشهد المضطرب، أعلنت الشركة الصينية عن خطوة وُصفت بأنها تاريخية، تمثلت في توقيع اتفاقيات نهائية مع تحالف يضم شركتي "أوراكل" و"سيلفر ليك" الأمريكيتين إضافةً إلى شركة "MGX" الإماراتية، لتأسيس كيان جديد تحت اسم "TikTok U.S".


أمريكا تستحوذ على تيك توك لتجنب حظره


الصفقة، التي من المتوقع أن تُستكمل في الثاني والعشرين من يناير، جاءت بعد مفاوضات شاقة امتدت لسنوات، شهدت خلالها المنصة توقفًا مؤقتًا أكثر من مرة، قبل أن تتدخل قرارات رئاسية متلاحقة لتمنحها مهلة إضافية. الرئيس التنفيذي لـ "تيك توك"، شو زي تشيو، حرص على طمأنة موظفيه عبر مذكرة داخلية، مؤكّدًا أن الاتفاق يضمن استمرار المنصة في النمو والازدهار، وأن تركيز الشركة سيبقى منصبًّا على خدمة المستخدمين وصنّاع المحتوى والمجتمع العالمي للتطبيق.


لكن خلف هذه الرسائل المطمئنة، تكمن تفاصيل معقدة تتعلق بالملكية والإدارة. فبحسب المذكرة، سيحصل التحالف الاستثماري على نصف أسهم الكيان الجديد، بينما تحتفظ "بايت دانس" بنسبة 19.9%، وتؤول 30.1% لشركات مرتبطة بمستثمرين حاليين. أما الإدارة، فسيتولاها مجلس مكوّن من سبعة أعضاء، بأغلبية أمريكية، في محاولة لإرضاء السلطات التي طالما شددت على ضرورة أن يكون القرار النهائي بيد أطراف محلية.


الأمن القومي كان ولا يزال محور النقاش. الصفقة تنص على أن بيانات المستخدمين الأمريكيين ستُخزّن محليًا عبر أنظمة تديرها "أوراكل"، فيما ستُعاد برمجة خوارزمية المنصة اعتمادًا على بيانات محلية لضمان عدم وجود أي تأثير خارجي. هذه النقطة تحديدًا تُعتبر حساسة للغاية، إذ إن الخوارزمية هي جوهر نجاح "تيك توك"، وهي التي تحدد طبيعة المحتوى الذي يظهر للمستخدمين. مسؤولون أمريكيون حذّروا مرارًا من أن الخوارزمية قد تكون عرضة لتأثير السلطات الصينية، بما يسمح لها بالتلاعب في تدفق المعلومات بطرق يصعب رصدها.


الصفقة أيضًا تحمل أبعادًا سياسية واضحة. فالقانون الذي وقّعه الرئيس جو بايدن، بدعم من الحزبين، وضع مهلة نهائية للانفصال عن الملكية الصينية، وهو ما جعل "تيك توك" أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع للقرار أو مواجهة الحظر الكامل. ومع دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، صدرت أوامر تنفيذية متتالية لتمديد المهلة، في محاولة لإيجاد صيغة توازن بين متطلبات الأمن القومي والحفاظ على حرية السوق. هذه التمديدات وفّرت وقتًا إضافيًا للتوصل إلى الصفقة الحالية، لكنها أيضًا زادت من حالة عدم اليقين التي عاشها ملايين المستخدمين.


من الناحية الاجتماعية، لا يمكن تجاهل حجم تأثير "تيك توك" داخل الولايات المتحدة. فالتطبيق يضم أكثر من 170 مليون مستخدم، ويُظهر استطلاع حديث أن أكثر من 40% من الأمريكيين دون سن الثلاثين يعتمدون عليه بانتظام كمصدر رئيسي للأخبار، متفوقًا على منصات تقليدية مثل "يوتيوب" و"فيسبوك" و"إنستاجرام". هذا النفوذ الإعلامي جعل المنصة أكثر من مجرد تطبيق ترفيهي، بل أداة مؤثرة في تشكيل الرأي العام، وهو ما يفسر حدة الجدل السياسي حولها.


في النهاية، تبدو الصفقة بمثابة تسوية معقّدة بين أطراف متعددة، تجمع بين مصالح اقتصادية ضخمة وضغوط سياسية لا تقل وزنًا. فهي تمنح "تيك توك" فرصة للاستمرار في أكبر سوق عالمي لها، لكنها في الوقت نفسه تضعها تحت رقابة صارمة، وتفرض عليها إعادة تعريف علاقتها بخوارزميتها وبيانات مستخدميها. وبينما يترقب ملايين الأمريكيين ما ستؤول إليه الأمور، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الصيغة الجديدة في إرضاء جميع الأطراف، أم أنها مجرد محطة مؤقتة في صراع طويل حول مستقبل المنصة؟


اليوتيوبر الشهير MrBeast يريد شراء تيك توك لتجنب حظره

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button