لطالما اعتُبرت "إسرائيل" من بين الدول التي تمتلك أقوى أنظمة الدفاع الجوي في العالم، بفضل منظوماتها المتطورة مثل "القبة الحديدية"، و"مقلاع داوود"، و"آرو". إلا أن الأحداث الأخيرة، وخاصة الهجمات الصاروخية التي نُسبت لإيران أو لأذرعها في المنطقة، كشفت عن ثغرات استراتيجية في هذا الدرع الصاروخي الذي طالما رُوّج له على أنه حصن منيع.
فكيف نجحت صواريخ إيران - رغم بدائيتها أحياناً - في اختراق هذا الجدار الدفاعي؟ وما السر وراء تلك "الثغرة" التي قد تغير قواعد اللعبة في أي صراع مستقبلي؟
منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية: القوة على الورق
تمتلك "إسرائيل" واحدة من أكثر شبكات الدفاع الجوي تعقيداً وتطوراً في العالم، وتشمل:
- القبة الحديدية: مخصصة لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى.
- مقلاع داوود (David’s Sling): لاعتراض الصواريخ المتوسطة والطائرات بدون طيار.
- آرو-2 وآرو-3: مخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي.
- باتريوت PAC-3: نظام أمريكي إضافي متعدد المهام.
لكن هذه الأنظمة المتقدمة تواجه تحديات على أرض الواقع، حيث لم تُصمم لمواجهة زخات مكثفة ومتزامنة من الصواريخ والطائرات المسيّرة، وهو ما شكل نقطة الضعف الكبرى.
أسلوب الهجوم الإيراني: الإغراق وتشتيت الرد
الهجمات المنسوبة لإيران أو حلفائها تتبع تكتيكاً مدروساً يعرف بـ"الإغراق الصاروخي"، وتتلخص أبرز ملامحه في:
الإطلاق الجماعي والمتعدد الاتجاهات:
تُطلق عشرات أو مئات الصواريخ دفعة واحدة من عدة مواقع متباعدة، لتشتيت رادارات الدفاع.
تنوع الوسائط الهجومية:
الجمع بين الصواريخ، الطائرات المسيّرة، وصواريخ كروز، ما يُربك أنظمة التتبع والاعتراض.
استخدام أهداف خادعة ورخيصة:
يتم استهلاك صواريخ القبة الحديدية ذات الكلفة العالية (50,000$ تقريباً للطلقة) في اعتراض أهداف رخيصة الثمن، مثل مسيّرات بـ500 دولار فقط.
اختيار التوقيت بعناية:
غالباً ما تتم الهجمات في أوقات ليلية أو عند تغير الأحوال الجوية، ما يقلل من كفاءة الرادارات والأنظمة البصرية.
أين تكمن ثغرة "إسرائيل" تحديداً؟
رغم القوة التكنولوجية، إلا أن هناك عدة ثغرات رئيسية كشفتها هذه الهجمات:
1. الطاقة المحدودة للأنظمة الدفاعية
كل بطارية اعتراض لها قدرة معينة وعدد محدد من الطلقات. في حال تم استهداف المنطقة بوابل من الهجمات، تفشل الأنظمة في التعامل مع جميع الأهداف.
2. الفجوة الزمنية بين الرصد والاعتراض
حتى في حال الرصد المبكر، فإن الزمن المطلوب لتحديد الهدف، إصدار أمر الاعتراض، وإطلاق الصاروخ لا يمكن أن يغطي عشرات الهجمات في آنٍ واحد.
3. الاعتماد على الدعم الأمريكي
العديد من الأنظمة يتم تزويدها أو صيانتها بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ما يُبطئ الاستجابة في أوقات حرجة.
4. الهجوم من مسافات غير متوقعة
قد تُطلق بعض الصواريخ من مناطق نفوذ الميليشيات أو من دول أخرى حليفة لإيران، مما يجعل الاستجابة أكثر تعقيداً على الصعيد السياسي والعسكري.
ما الذي يجعل إيران قادرة على تجاوز هذه الأنظمة؟
تكلفة منخفضة لإنتاج الوسائط الهجومية:
إيران تمتلك قدرة تصنيع واسعة للصواريخ البسيطة والمسيّرات بتكلفة منخفضة، ما يجعلها قادرة على الاستنزاف على المدى الطويل.
تطوير تقنيات الشبح والتخفي:
بعض المسيّرات تُصمم بزوايا ومادة تقلل من ظهورها على الرادار، ما يسمح لها بالتسلل بفعالية.
دعم لوجستي واستخباراتي من الحلفاء:
حزب الله، الحوثيون، وفصائل أخرى يمتلكون قدرات إطلاق وتوجيه تُنسّق مع محور المقاومة، ما يمنح إيران تفوقاً جغرافياً.
خلاصة: ما بعد ثغرة القبة الحديدية
لم تعد المعركة بين "إسرائيل" وإيران معركة بين تكنولوجيا متفوقة وصواريخ بدائية. بل هي مواجهة بين:
- كثافة مقابل دقة
- تكلفة عالية مقابل تكلفة زهيدة
- ردود فعل بطيئة مقابل هجمات مفاجئة ومدروسة
ولعل السؤال الأهم اليوم لم يعد: هل يمكن اختراق منظومات الدفاع الإسرائيلية؟
بل: كيف ستتمكن إسرائيل من الصمود في حال اندلاع مواجهة شاملة مع محور يستخدم هذا الأسلوب بذكاء وبتكرار؟